عندما تسافر، خاصة إلى مكان ذي ثقافة ولغة مختلفتين، يبحث القلب غالباً عن الألفة. فبعد يوم طويل من استكشاف معالم جديدة، لا شيء يضاهي الراحة التي تمنحها وجبة جيدة، طبق طعام بمذاق يذكرك بالوطن. بالنسبة للمسافر العربي الذي يزور أرمينيا، وهي دولة ذات علاقات تاريخية عميقة مع الشرق الأوسط، فإن العثور على هذه الراحة أمر سهل بشكل مدهش.
يريفان، العاصمة النابضة بالحياة، هي مدينة لا تغيب عنها روائح الهيل واللحوم المشوية والحمص الطازج. فالمجتمع الكبير من الأرمن الذين عادوا من سوريا ولبنان ومناطق أخرى من العالم العربي جلبوا معهم تقاليد الطهي الغنية لأوطانهم، ومزجوها بشكل جميل مع كرم الضيافة الأرمني. الأمر هنا لا يتعلق بإيجاد بديل بسيط؛ بل باكتشاف مطاعم أصيلة وعالية الجودة تحترم النكهات التي تحبها.
إذا كنت تبحث عن أفضل الأماكن لتناول الطعام، أماكن يتحدث فيها الطعام لغتك وأجواؤها ترحيبية، فإليك هذا الدليل لأفضل سبعة مطاعم في أرمينيا للزوار العرب.


مايريك (Mayrig): احتفال بالتراث اللبناني الأرمني
“مايريك“، التي تعني “الأم الصغيرة” باللغة الأرمنية، هو اسم شهير يتجاوز حدود أرمينيا. نشأ مفهوم هذا المطعم في بيروت، لبنان، كتكريم للوصفات الغنية والمنسية للأمهات الأرمنيات. كان وصوله إلى يريفان حدثاً مميزاً، حيث جلب هذا المطبخ الفريد والراقي إلى وطنه الأم.
تناول الطعام في “مايريك” هو مناسبة خاصة بحد ذاتها. المطعم مصمم بشكل جميل، يمزج بين اللمسات الأرمنية التقليدية والأناقة العصرية. الطعام هو شهادة على التاريخ المشترك للأرمن والعرب في بلاد الشام. ستجد أطباقاً رائعة لن تجدها بسهولة في مكان آخر. لا تفوّت طبق “المانتي”، وهي قوارب صغيرة من العجين المخبوز تُقدّم مع صلصة اللبن الدافئة والسماق. أما “الكباب بالكرز” (كباب بي كاراز)، وهو طبق حلبي أصيل، فهو تجربة استثنائية – حيث تتناغم حموضة الكرز مع غنى لحم الضأن المشوي بطريقة لا تُنسى. إنه طعم من التاريخ، ونكهة من بيروت، ومذاق من الوطن، كلها في طبق واحد.




لاغونيد (Lagonid): إرث من الضيافة الشرقية
لأكثر من عقدين من الزمن، كان “لاغونيد” اسماً محبوباً وثابتاً في يريفان. يقدم هذا المطعم الأطباق الشرقية الأصيلة منذ عام 1999، وصموده الطويل هو شهادة على جودته وثبات مستواه. بالنسبة للزائر العربي، فإن أحد الجوانب الأكثر ترحيباً في “لاغونيد” هو أن الموظفين غالباً ما يتحدثون اللغة العربية، مما يجعلك تشعر بالراحة على الفور.
الأجواء في “لاغونيد” دافئة وبسيطة. تشعر وكأنك في مؤسسة عائلية تقليدية حيث التركيز بالكامل على الطعام. القائمة مليئة بالأطباق الشرق أوسطية المفضلة. إنه مكان رائع لطلب تشكيلة “مازة” كبيرة – فكر في التبولة الطازجة، والمقانق الغنية بالنكهة، والبطاطا الحرة المتبلة بإتقان. يشتهر المطعم أيضاً بتقديمه لطبق الفول المدمس والفتّة، مما يجعله أحد أفضل الأماكن في المدينة لتناول وجبة إفطار عربية تقليدية تمنحك الطاقة ليوم كامل من استكشاف المدينة.
عنتاب (Anteb): روح حلب في يريفان
اسأل أي شخص محلي عن أفضل مكان لتناول الكباب، وسيأتي اسم “عنتاب” بالتأكيد ضمن الإجابات. يُدار هذا المطعم من قبل عائلة سورية أرمنية، ويجلب نكهات حلب القوية والشهيرة إلى يريفان. هذا ليس مكاناً فاخراً لتناول الطعام؛ إنه مكان للأشخاص الجادين بشأن الطعام، وخاصة اللحوم المشوية.
نجم العرض هنا هو الكباب الحلبي. إنه متبل بطريقة مميزة وأصيلة، غني بالعصارة ومُعدّ على الفحم ليمنحه نكهة مدخنة مثالية. كما يُعتبر “اللحم بعجين” لديهم (الذي يُطلق عليه غالباً “البيتزا الأرمنية”) أحد الأفضل في المدينة – رقيق، مقرمش، ومغطى بطبقة لذيذة من اللحم المتبل. القائمة مليئة بالأطباق الأرمنية الغربية والسورية. تناول الطعام في “عنتاب” يشعرك وكأنك تلقيت دعوة إلى حفل شواء عائلي في حلب. إنه طعام صادق، دسم، ولذيذ بشكل لا يصدق.


تبولة (Taboule): التجربة اللبنانية الكلاسيكية
في بعض الأحيان، كل ما تريده هو الأطباق الكلاسيكية مُحضّرة بإتقان. “تبولة” هو مطعم لبناني عريق اكتسب سمعته كمكان موثوق ومبهج لتناول وجبة لبنانية حقيقية. وكما يوحي الاسم، فإن طبق التبولة لديهم هو مصدر فخر – متوازن تماماً وطازج.
يُعد “تبولة” خياراً ممتازاً لوجبة غداء مريحة. المطعم مشرق ومرحب، ويمكنك رؤية لافتة “حلال”، وهو أمر مطمئن للعديد من الزوار. هذا هو المكان المناسب لتنغمس في جميع أطباق “المازة” الباردة والساخنة المفضلة لديك. اطلب طاولة مليئة بالحمص، والمتبل، وورق العنب، والفلافل المقرمشة. الموظفون ودودون والخدمة احترافية. إنها نكهة بيروت في وسط يريفان، مما يوفر تجربة طعام يمكن الاعتماد عليها وعالية الجودة في كل مرة.




بابل (Babylon): نكهات العراق الغنية
في حين أن الطعام الشامي شائع في يريفان، فإن العثور على المطبخ العراقي المتميز والعطري يُعد متعة خاصة. مطعم “بابل” يقدم ذلك بالضبط، موفراً تغييراً رائعاً ورحلة إلى قلب نكهات بلاد ما بين النهرين.
يشتهر المطعم ببيئته الدافئة والمضيافة، وقائمة طعامه هي احتفال بتقاليد الطهي العراقية. هذا هو المكان المناسب لتجربة أطباق قد لا تجدها في أي مكان آخر في المدينة. ابحث عن “القوزي” (لحم الضأن المطبوخ ببطء)، والمرق الدسم (مثل مرقة البامية أو الفاصوليا)، وبالطبع الكباب العراقي الشهير، الذي له مزيج فريد خاص به من التوابل. بالنسبة للقادمين من الخليج أو العراق، ستكون النكهات في “بابل” بمثابة تذكير مريح جداً بالوطن. إنها جوهرة طهي تضيف تنوعاً رائعاً إلى مشهد الطعام في يريفان.
زيتونة (Zeituna): طعم البيت في قلب يريفان
“زيتونة”، اسم يَعِدُ بالأصالة فور سماعه. يقع هذا المطعم في وسط يريفان تماماً، وغالباً ما يكون التوصية الأولى لأي شخص يبحث عن طعام شرق أوسطي جيد. إنه ليس مجرد مطعم؛ بل تجربة متكاملة. التصميم الداخلي مريح وراقي، مما يجعله مثالياً لعشاء عائلي هادئ أو أمسية ممتعة مع الأصدقاء.
ما يميز “زيتونة” هو قائمته المخصصة للطعام الحلال، مما يوفر راحة البال ومجموعة واسعة من الخيارات. القائمة هي رحلة شاملة عبر المطبخ الشامي. ستجد كل الأطباق الكلاسيكية المحبوبة، مُحضّرة بعناية. الحمص كريمي وغني، والمحمرة تتمتع بتوازن مثالي بين المذاق الحلو والحار، والفتوش طازج ومنعش. بالنسبة للأطباق الرئيسية، يُعد الكباب المشوي لديهم من أبرز الأطباق، مطهو بإتقان ومليء بالنكهة. إنه مكان شهير، لذا فإن الأجواء فيه مفعمة بالحيوية دائماً – وهي علامة حقيقية على مطعم يحبه السكان المحليون والزوار على حد سواء.




أبو هاكوب (Abu Hagop): ملك الساندويتش السوري
أخيراً، لن تكتمل أي قائمة للزائر العربي بدون مكان يقدم وجبة سريعة ومثالية ومُرضية. “أبو هاكوب” هو أسطورة. فبينما يعمل أيضاً كمطعم للجلوس، إلا أن شهرته الأكبر تأتي من ركن الساندويتشات والوجبات السريعة، الذي يقدم المذاق الأصيل لعربة طعام في شوارع دمشق.
عندما تتجول في وسط المدينة وتحتاج إلى غداء سريع أو وجبة خفيفة في وقت متأخر من الليل، فهذه هي وجهتك. تُقطّع شاورما الدجاج واللحم من السيخ، وتُقدّم في خبز طازج مع صلصة الثوم الكريمية (التوم) والمخلل، تماماً كما يجب أن تكون. كما أنهم يصنعون ساندويتشات رائعة من السجق والبسطرمة. إنه سريع، وبأسعار معقولة، والنكهة أصيلة 100%. إنه من نوع الأماكن التي ستجد نفسك تعود إليها مراراً وتكراراً من أجل ذلك المذاق البسيط والمثالي للوطن.















